
د علي اكرم البياتي ٢٠ كانون الثاني ٢٠٢٣
من غير المنطقي ان تمر اجواء السعادة التي عاشها العراق في الاسبوعين الماضين ولا نمر عليها بعمق اكثر ونقدم بعض وجهات النظر العلمية والحقائق وتجارب الشعوب، والخطوات والجهود الموجودة عالميا لحماية الحق في السعادة.
حسب قرار الجمعية العامة 66/281” السعي لتحقيق السعادة هدف إنساني أساسي. [وتسلم الجمعية العامة للأمم المتحدة] بضرورة اتباع نهج أكثر شمولا وإنصافا وتوازنا تجاه النمو الاقتصادي يحقق التنمية المستدامة والقضاء على الفقر والسعادة والرفاه لجميع شعوب العالم “
و في تصريح للأمين العام السابق للأمم المتحدة بان كي مون يقول فيه، “لم تعد السعادة رفاهية أو تفاهة بل هي عامل لنموّ الاقتصاد العالمي”.
واذا عدنا للقرن الثامن عشر نرى انه تضمن اعلان الاستقلال للولايات المتحدة بعد التصويت على الانفصال، في الرابع من يوليو عام 1776، في خضم صراعهم العسكري مع الإمبراطورية البريطانية، ثلاثة حقوق أساسية، غير قابلة للتفاوض أو التجزئة، وهي الحق في الحياة، وفي الحرية، وفي السعي للسعادة.
وفي عام 1821، تقدّم مائة شخص في الولايات المتحدة بشكاوى أمام المحكمة العليا الأميركية استناداً إلى البند الخاص بالسعادة. ويبدو أنّ قضاتها اعتمدوا على تلك الإشارة إلى السعادة لحماية حقوق أخرى تجعل السعي إلى تحقيق السعادة ممكناً، مثل المساواة والحرية”.
كما ان دول سعت الى استحداث وزارة للسعادة كدولة الإمارات العربية المتحدة سنة ٢٠١٦، او اعتماد الحقّ في السعادة في الدساتير الوطنية، كما في القوانين الأساسية لمجموعة من البلدان، مثل الولايات المتحدة الأميركية والبرازيل واليابان وكوريا الجنوبية وفرنسا والامارات.
اما آخر الدراسات التي صدرت حول السعادة ، فهي دراسة أجراها علماء “كلية لندن الجامعة “، ونشرت في العدد الأخير من مجلة (Lancet) العلمية ، واعتمدت على نتائج دراسات استمرت أربع سنوات، شملت 160 دولة، وغطت 98 بالمئة من العالم. وقسمت هذه الدراسة دول العالم إلى ثلاثة أقسام، حسب اختلاف مستوى السعادة خلال مراحل العمر المختلفة:
القسم الأول: يشمل الدول الأوروبية، والغربية، والصناعية، ويبدأ فيه مستوى السعادة مرتفعاً خلال مراحل العمر الأولى، لينخفض خلال متوسط العمر، ثم يعود ليرتفع في مرحلة ربيع العمر والشيخوخة.
أما القسم الثاني فيشمل دول الاتحاد السوفييتي سابقاً، ودول شرق أوروبا، ودول أميركا اللاتينية والكاريبي، ويبدأ مستوى السعادة فيه مرتفعاً، لينخفض تدريجياً، وباضطراد مع التقدم في العمر.
أما القسم الثالث فيشمل الدول الأفريقية جنوب الصحراء، فيبدأ فيها مستوى السعادة منخفضاً، ويظل منخفضاً حتى نهاية العمر.
ويفسر العلماء هذه النتائج كالتالي: في القسم الأول، أو الدول الغنية، ينخفض مستوى السعادة في منتصف العمر، لأن تلك الفترة تمثل أفضل فترة للحصول على أكبر أجر، وأعلى راتب، مما يدفع الكثيرين للعمل ساعات طويلة، متجاهلين مسببات السعادة الأخرى، كالأسرة، والأهل، والأصدقاء، وإن كان ذلك يتيح لهم موارد مالية جيدة عند التقاعد، مما يعود ليرفع مستوى السعادة لديهم في ربيع العمر. أما في دول القسم الثاني، أو دول الاتحاد السوفييتي وأوروبا الشرقية، فيرد الانخفاض التدريجي في مستوى السعادة إلى تراجع مستوى الدخل مع التقدم في العمر، دون أن يكون هناك نظام معاشات، أو تضامن اجتماعي، كفيل بتوفير حياة كريمة في السنوات الأخيرة من العمر. وفي القسم الثالث، أو دول جنوب الصحراء، فيبدأ هؤلاء حياتهم في فقر، وعوز، يجابهون أمراضاً وبائية، واقتصاداً مترداً، وهو ما يستمر طيلة حياتهم.
ولكي ندخل اكثر في صلب موضوعنا هو تفاعل العراقيين مع خليحي٢٥ والذي من الواضح انه كان سبب بث روح وطنية وسعادة في قلوب العراقيين جميعا ، وفي هذا السياق، يقول الدكتور محمد هاني، استشاري الطب النفسي، “إن كرة القدم تعتبر أفضل الألعاب على مستوى العالم في لم وحدة وشمل الشعوب، وذلك لأنها لعبة تحث على روح الفريق والتعاون، موضحًا أن كرة القدم لها أثر نفسي في جذب الجماهير لذا تسمى بالساحرة المستديرة”. ويضيف هاني ” أن هناك نظرية نفسية تفيد بأن الكرة المستديرة لها القدرة على إسعاد الشعوب، لذا فهي قادرة على إظهار البهجة والفرحة في القلوب، ولديها مقدرة خارقة في لفت الانتباه وهذا هو السبب في نجاحها وشعبيتها، لذا فهي الرياضة الوحيدة القادرة على إشباع رغبة الجماهير.”
كما فيما يقول الدكتور جمال فرويز، استشاري الصحة النفسية، “إن الإنسان دائمًا يهوى الميل والانحياز لأي كيان سواء ديني أو سياسي أو علمي أو رياضي، وبعد انتهاء الحرب العالمية الثانية أصبحت الرياضة هي الأكثر جذبًا واهتمامًا من الشعوب، ونجحت كرة القدم في النَيل بالحيز الأكبر من الاهتمام والتشجيع”. و يضيف فرويز “أن كرة القدم هي المنفذ الوحيد للشباب والمخرج للتنفيس عن مشاعرهم الداخلية المكبوتة، لذا نجحت في استقطاب الشعوب، وهناك الكثيرون يتعايشون معها بكل ما فيهم من تركيز وتتفاعل معها مشاعر النواقل العصبية بالمخ”.
يتبين من البحث اعلاه، ان السعادة حاجة حقيقية للانسان والبشر والمجتمعات لخلق استقرار نفسي واجتماعي واقتصادي وحتى في مجالات اخرى، وهي مهمة لخلق توازن نفسي لدى الفرد والمجتمع معا لمواجهة تحديات الحياة الكبيرة والمستمرة، بل بشكل اكثر دقة هو حق من الحقوق الاساسية بعد الحق في الحياة والحرية والامان، واذا ارادات الدول ان توفر وتحمي هذا الحق فبكل تاكيد عليها ان تتضمنه في دساتيرها وتشريعاتها او على اقل تقدير في برامجها من خلال فعاليات رياضية وفنية وترفيهية.
ومن الانصاف ان نذكر انه من الواضح ان الحكومة السابقة والحالية بدأت تتجه بشكل عملي تجاه هدا النوع من الفعاليات سواء المهرجانات الفنية التي بداتها الحكومة السابقة السابقة او استضافة خليجي ٢٥ الاخيرة وفوز العراق في نهائي كأس الخليج، والذي صاحبه اجواء فرحة وتفاؤل شعبي كبير لازال مستمرا للحظة.
نأمل من الحكومة الحالية والحكومات القادمة ان تعتبر هذه التجارب كبداية واساس لبرنامج ونهج اكبر واوسع لحماية حق السعادة وتوفير اجواء السعادة لهذه الشعب المتعطش لاي شيء له علاقة بالسعادة.