الطبقة السياسية التي دخلت العملية السياسية في ٢٠٠٣ وما بعدها لمن تكن المتحكم الحقيقي في القرار وبلا خبرة امام ثروة هائلة بيدهم لم تأتهم حتى في الاحلام، يضاف الى ذلك تخوف اقليمي بنشأة نظام ديمقراطي بجوارهم والذي اعتبروه تهديد لهم، مع طمع خارجي ايضا بثروات العراق التي بدت بلا رقيب.

كان التحدي الاول هو تحدي داخلي( بقايا البعث وحلفاءه ) مدعوما بالخارج تحت عنوان وادوات الارهاب والذي كان يحاول اضعاف النظام وعرقلة تقدمه باي شكل من الاشكال وكان الشعب هو الضحية الرئيسية بكل تاكيد مع صعوبة بناء المؤسسات سواء الامنية منها او الخدمية بسبب انشغال الدولة مع الارهاب ووجود النظام المحصصاتي المقيت والعامل الخارجي الحاضر في كل
التفاصيل.

استمرت الدولة بمؤسساتها المعاقة التي كانت تاخذ اوامرها من الاحزاب والزعماء السياسيين وليس مراكز القرار الشرعية في الدولة ، فكانت نكسة حزيران في ٢٠١٤ بسيطرة داعش على ثلث العراق، وما تلاها من مجازر ضد ابناء الشعب بمختلف فئاتهم ، وخاصة الاقليات لكونهم الحلقة الاضعف.

انتهت الحرب مع تراجع مؤسساتي اكثر وعسكرة للمجتمع وانتشار السلاح تحت عناوين مختلفة وولاءات خارجية اكبر وتراكم للاحقاد بين فئات المجتمع اوسع، كما لم نشهد لهذا اليوم ونحن تجاوزنا الذكرى الخامسة لانتهاء الحرب اكمال اي ركن من اركان العدالة الانتقالية كضمان لعدم تكرار المآساة مرة اخرى سواء الاصلاح المؤسساتي ( وخاصة الامني ، او المسائلة الحقيقية وحسب المعايير وليس الشكلي او جبر الضرر للضحايا وذويهم او المصالحة المجتمعية ) و لايزال مصير ٢٧٠٠ ايزيدي و ١٤٠٠ تركماني مجهول واكثر من ١٠ الاف ضحية في المقابر الجماعية بلا اجراءات قانونية او مؤسساتية .

كنتيجة لكل ما تقدم من كوارث شهدنا تزايد اعداد الفئات التي لا تتمتع باي شكل من اشكال العدالة الاجتماعية ، فنسبة الفقر تخطت ٥٠٪؜ من مواطني البلد وخاصة المحافظات الجنوبية وعدد النازحين لايزال مليون و ١٧٠ الف (٧٥٪؜ منهم يبدوا انهم لا يرغبون اصلا بالعودة بسبب عدم رغبتهم لتكرار كابوس الارهاب او لاسباب اخرى تتعلق بالتخوف من الانتقام او فقدان وسائل العيش فُيَ المناطق الاصل)، وتجاوز اعداد الاميين في العراق ٨ مليون ( حسب نقابات) ، وعدد الايتام ما بين مليون ( جهات رسمية ) و ٥ مليون ( جهات شبه رسمية ) ، و ٣٠ الف عراقي اغلبهم نساء واطفال في مخيمات خارج العراق يعيشون في ظروف تفتقر لابسط مقومات الحياة في مأوى يكاد يكون اشبه بمواقع تجنيد جديد لفكر الارهاب، ومراكز احتجاز وسجون فيها ما لايقل عن ٧٥ الف بمعدل يتجاوز ١٧٨ لكل ١٠٠ الف متجاوزا معدل الارقام العالمية مع غياب نظام اصلاح حقيقي وقصص تعذيب معيبة ومشينة لا تتناسب لا مع الطبيعة الدينية للمجتمع العراقي و الاعراف المجتمعية ولا طبيعة النظام الديمقراطي مع غياب التحقيق والمحاسبة والمعالجات ،يضاف الى ذلك ملفات الاف المفقودين بعد دخول داعش للعراق وخلال فترة الحرب معها التي تنتظر التحقيق والمسائلة وجبر الضرر.

ولا يمكن نسيان تعرض الاراضي العراقية والمواطن العراقي لابشع سياسات اقليمية تمارس من قبل الدول الاقليمية سواء في ملف المياه او الاستهداف المباشر بالصواريخ والطائرات المسيرة وغيرها ، او بتحويل العراق لجسر فقط لمصالحها الداخلية وامنها القومي.

امام كل هذه المآسي تتعاظم ثروات الطبقة السياسية ويستمر خضوعهم للخارج والاجندات الخارجية ويستمر الانسداد السياسي الذي يعكس صراع خارجي بالاصل وصراع مصالح بين
الاطراف .

وهنا يأتي سؤال مهم جدا هل بالامكان لهذا النظام ان يصلح حال البلد ام ان المشكلة في الادوات وهل تغيير طبيعة النظام ( كما نجد مطالبات بين فترة واخرى ) سيضمن تغيير الادوات، اما انه سيكون فقط تغيير شكلي واستمرار اطول لنفس الادوات الفاسدة واستمرار لنفس المعانات والمأساة.

د علي البياتي